موارد الغاز في العراق وآفاق استثمارها

لقد غاب عن ذاكرة العراقيين أن النظام السابق لم يعطي أهمية للغاز كما هو الحال موقفه من أهمية النفط بالنسبة للاقتصاد العراقي… لذا كان التركيز على استكشاف وتطوير حقول النفط فقط….
لم يكن هذا الأمر يمثل استراتيج الدولة للنظام السابق وحسب… بل كان يمثل استراتيجية الدولة منذ نشأتها الأولى وحتى سقوط النظام السابق في ٢٠٠٣..
ان ما تم اكتشافه من مكامن غازية خلال تلك الفترة كان من ضمن عمليات استكشاف النفط لذا تم إهمال هذه الاكتشافات لوجود كميات كبيرة من الغاز المصاحب والذي كان يحرق لعدم وجود طاقات لمعالجة هذا النوع من الغاز والذي بمعظمه يحتوي على نسب عالية من غاز كبريتية الهيدروجين وثاني أوكسيد الكبريت ونسب متفاوتة أيضا من الماء…. حيث أن كبريتيد الهيدروجين بذاته يعتبر سببا بتاكل المعدات التي يمر من خلالها فضلا عن سميته العالية التي تسبب الموت في كثير من الأحيان… كما وان وجود الماء مع ثاني أوكسيد الكبريت وكذلك ثاني أوكسيد الكربون يعتبر أيضا سببا قويا بتاكل المعدات لكون يكون أحماض كبريتية كاربونية..  وكلاهما أحماض تعتبر قوية وذات أثر كبير على الكل المعدات….
هذه المعدات الخاصة بالمعالجة تعتبر غالية إضافة إلى وجود غاز حلو كاف لتوليد الكهرباء والصناعات البتروكيماوية.وفي فترة الثمانينات وبعد دخول العراق بحرب الانابة مع إيران التي انتهت لحصار دام حتى الاحتلال في عام ٢٠٠٣.. حيث كان العراق غير قادر على القيام بعمليات استكشاف ولا تطوير ولا معالجة الغاز المصاحب كنتيجة للحرب ومن ثم الحصار الذي دام ١٢ عام… ولم تنتهي فترة إهمال الغاز عند الاحتلال وبروز الحاجة إلى استغلال الغاز كنتيجة للحاجة التي بدت متزايدة بعد السنوات العجاف ال٢٣ التي سبقتها ولكن برز عامل جديد هذه المرة وهو الإرهاب الذي قامت به القاعدة وتنظيماتها المتعددة والتي انتهت بهجوم الوليد الشرعي للقاعدة المتمثل بداعش…. 
ان معظم مكامن الغاز وكما بينته الدراسات السابقة تقع في المنطقة الغربية من العراق وهي الرقعة التي تمتد من الحدود السورية نزولا إلى جنوب العراق وعلى طول الحدود مع سوريا والأردن السعودية حيث يمثل طول هذه المنطقة بأكثر من ١١٠٠ كيلومتر وبعمل في الأراضي العراقية قد يزيد على ٢٥٠ كيلومترا بمساحة تقدر ب١٥٠ الف كيلومتر مربع اي ثلث أراضي العراق تقريبا وهذه المنطقة مازالت لحد الان تعتبر من المناطق الساقطة أمنيا كون قطعان داعش مازالت تسرح وتمرح بها…
وخلال الفترة من بعد جولات التراخيص في ٢٠٠٩ ولغاية الآن بدأ العراق يسعى لاستثمار الغاز المصاحب والذي يحرق لأغراض إنتاج الكهرباء والحاجة المتزايدة له كنتيجة للانفتاح النسبي على العالم والنشاط التجاري الذي اغرق الأسواق بأجهزة منزلية ذات استهلاك كبير للطاقة فضلا عن الزيادة الانفجارية بالكتلة السكانية… 
لذا بدأت الحكومة منذ العام ٢٠٠٩ تحاول استغلال الغاز ولكن الفساد هذه المرة كان له  الدور الأكبر بعرقلة مشاريع اسغلال الغاز…
وفي العام ٢٠١٣ بدأ العراق يبحث عن بدائل للغاز العراقي فوقع عقدا مع إيران كونها تستطيع تزويد العراق بأكثر من ١٢٠٠ مقمق من الغاز العراقي المعالج… 
وهنا ظهر عامل آخر يعرقل عمليات استثمار الغاز إلا وهو الدولة العميقة التي تعمل لصالح الجهات التي تمولها من دول الجوار… حيث وفشلت هذه الشرذمة من العملاء على إفشال جميع المساعي لاستغلال الغاز لصالح اربابهم هناك… 
لقد ناقشت وزارة النفط أكثر من عقد مع شركات من دول صناعية كبرى لكن عندما يصل العقد إلى حد التوقيع يتم التوقف عند هذا الحد ويصبح العقد عبارة عن مجرد أوراق تذهب الى سلة المهملات… حقيقة انا شخصيا ساهمت بعمليات التفاوض مع هذه الشركات وكذلك أحد الذوات في منصتنا هذه حيث كنا شهود عيان ومساهمين كبار في عمليات التفاوض التي كانت نتائجها مرضية إلى حد كبير… ولكن الدولة العميقة كانت لها الكلمة الأخيرة.. 
كان أهم ما تمت مناقشته والعمل عليه هو وضع الغاز ماستر بلان من قبل شركة تويو انجنيرنج كوربوريشن اليابانية حيث كنت اعمل مستشار فني لها وياباني من وزارة الصناعة زميلنا عبد الكريم العبيدي لكن وبعد أن اكتمل الجزء الأول من الدراسة رفضت وزارة النفط الاستمرار بالعمل بدون عذر مقبول لكن تم نشر هذا الجزء من الدراسة التي اشترك بها مع الاستشاري الياباني وزارتي الصناعة والكهرباء إضافة إلى وزارة النفط.. لكن الجايكا اي القرض الياباني اعتبر هذا الجزء من الدراسة تبرع من اليابان لدولة العراق ونشره على موقع الجايكا.
 الان اي خلال السنتين الأخيرتين خصوصا به أن توقف تقريبا تزويد إيران بالغاز كنتيجة لحاجتهم له وكذلك تزايد النقمة الشعبية على الحكومة ووزارة النفط صار لزاما على الوزارة أن تعمل على استغلال الغاز الذي يحرق ليكون قيمة اقتصادية عالية لوقف الهدر المالي كنتيجة لاستيراد الغاز وكذلك اتساع الحاجة التي اصلا كانت ملحة بالحصول غاز نظيف يصلح للاستثمار بإنتاج الطاقة والصناعات البتروكيماوية ولكن بعد أن تم الحساب تبين أن جميع الغاز المصاحب وكذلك الغاز الحر في الحقول الغازية العراقية مثل السيبة والمنصورة وعكاز وحتى تلك الحقول الغازية التي تعاقدت عليها الوزارة ضمن جولة التراخيص الخامسة…. حيث كل الكميات من الغاز لا تكفي لقد احتياجات العراق المتزايدة وبورتاير عالية….  أمام العراق على الأقل سنتين لإكمال محطات المعالجة للغاز المصاحب وليس اقل من ست سنوات لتطوير حقوقه الغازية والتي لا ندري سيكون انتاجها كافيا لتحقيق الاكتفاء الذاتي ام لا..
الان بدأت وزارة النفط لاستكشاف حقول غازية في المنطقة الغربية حيث بدأت بمنطقة واعدة تقع بالقرب من هيت ولحد الان الأنباء تؤكد أن الوضع الأمني بهذه المنطقة جيد وتشجع على المضي لاستكشاف أراضي أخرى في نفس المنطقة… لكن للاسف أن الوزارة قد جندت وبشكل خجول فرقة مسح زلزال واحدة ربما خوفا مما لا تحمد عقباه من تدهور الوضع الأمني في المنطقة.
ولنا حديث آخر حول هذا الموضوع قريبا انشاء الله

المهندس حمزة الجواهري
خبير نفطي
هيأة النفط والكيمياوي
جمعية المهندسين العراقية

شاهد أيضاً

شعار الجمعية جديد